الاثنين، 4 مارس 2019

ارتواء التفاحة










تبحث عن لون.. لون يتناسب مع بنطال جينز أسود لابنتها المقبلة على العام الجامعي الاول ويتوافق مع رأيها أيضاً..
دخلت محل أزياء حريمي وتنقلت بين المعروضات. تحسست وسألت؛ تحسست البلوزة البمبي وسألت البائعة  "هل يوجد مثلها باللون الأحمر". هزت البائعة رأسها نفيا لتغادر المحل بعدها.
داخل محل اخر نظرت وقالت لنفسها  بالضبط". سألت البائع عن ثمنه، ساومت وأبى. فاصلت ففاصل. دفعت وباع بعدما فتحت محفظة نقودها لتخرج مبلغ خمسة وخمسون جنيها هي كل ما تبقى لديها من مال كما قالت له.
في المنزل داخل الصالة أرخت حقيبة بداخلها بعض ثمار التفاح وعلب ثلاجة بلاستيكية، أخرجت ما بداخل الحقيبة الاخرى نظرت إلى ابنتها وقالت "ألا تتناسب هذه البلوز مع  بنطالك الجديد؟". فتحت الابنة فمها مندهشة لتقول  "ما هذا الشيء الكئيب. لا اريده"..  " لعنك الله". قالت الأم تلك الكلمات وهي متجهة الى غرفة نومها لتغلق باب الغرفة مرتطماً خلفها.
داخل غرفتها جلست وتنهدت وتذكرت وتأملت وتألمت وتأوهت لحالها، ثم وقفت أمام مرآة التسريحة لتعاين هذا الوجه وتحصي بعض التجاعيد التي ظهرت مؤخرا بجبهتها وجوار شفتيها وتحسست خيطا رقيقا نُحت بخدها الأيمن.  ثم خلعت عبائتها الخضراء وتناولت القميص الجديد ولبسته لتظهر ترهلات جسدها من بين جنباته بلونه الأحمر ونقاطه السوداء. أمسكت بشعرها ورفعته ليبدو مثل كعكة شم النسيم. التفت وتمايلت أمام المرآة كموديل تستعرض رشاقتها. ثم انتزعت البلوز وما تحته كما انتزعت اشياء اخرى كانت تحتفظ بها من قبل.
اتجهت الى الفراش واحتضنت من كانت ساكنة فوقه. رقصت معها وغنت. لعبا واهتاجت واستلقت فوق الفراش. ضحكت وقهقهت وتأوهت وفُتح الباب لتندهش الفتاة مرة اخرى أمام الوسادة المتلاصقة بين فخذي أمها العارية. ليوصد الباب بهدوء بين الاندهاش والاشتهاء..

في اليوم التالي عادت الام الى البائع لترد اليه بضاعته وتقول له "الرداء لا يتناسب مع حجم ووزن ابنة اختي الزائد”. رد إليها مالها ولم يلاحظ هذا الزر المفقود من البلوزة..

الأحد، 3 فبراير 2019

بائع احلام


تطوف على زوار المقهى، تمد يدا وبالاخرى تحمل رضيعاً، تقف أمام  العاطل والحرفي والأستاذ، من يرتدي بذلة ومن بجيبه بضع نقود تكفي لدفع حساب (واحد شاي).
بين الكراسي المتراصة  فوق رصيف المقهى  جلست إلي جانب صديقي الذي ألتقيه  على فترات متفاوته. أحياناً وسط الأصدقاء، وأحياناً عن طريق الصدفة، وأوقاتاً بعد أتصال هاتفي بدأه هو صباح اليوم.
طلبت فنجاناً من القهوة، وطلب هو كوب شاي ( فتلة )  وتناولنا الأحاديث المعتادة حول دنياك ودنياي ودنيا الناس.
 وبتلك العادة العجيبة انتقاها من بين المتسولين اللذين مروا قبلها. بطفلها المسنود على كتفها، بالحجاب الشرعي بثوبه الأسود الذي يغطي جسدها ووجهها عدا عينيها ويديها البضتين.
لم تكن المرة الأولى التي يختار فيها تلك الفئة من المجتمع ليمارس هوايته. فمنذ حوالي عام صباح أحد الايام عندما بدأنا رحلة التجوال للبحث عن عمل وعند عبورنا كوبري المشاه كان ملقى هناك فتى يتدثر بغطاء من الصوف. كان غطائه سبيلاً للثقوب التي ترى من خلالها بنطاله وسترته الجلدية السوداء المهترئة مغتنماً فرصة للنوم الهادىء في هذا الوقت من الصباح . وأشار لي صاحبي "بص النمرة دي"  نكز الصغير بركلتين وصاح   "أنت يا بني". استفاق الولد على الفور ورفع الغطاء فقال "ايه يا باشا. معملتش حاجة". فسأله  "أنت بتشتغل ايه؟" فرك الفتى عينيه ووقف "على باب الله يا باشا". "طيب واللي يجبلك شغل تبطل صياعة؟". أندهش الفتى مثلما اندهشت وعلقت الاجابة في حلقه. "ما ترد ياض. انت مش عايز تتلم وتشتغل؟ ". "أيوه يا باشا عايز!".                                                        ثم أخرج كارت من جيب (البليزر) وأعطاه للفتى وقال "أبقى اتصل بيا النهاردة الساعة 4 بعد العصر".. وكما لمحت المطبوع على الكارت ( مكتب استشاري . محمد فتحي .... ، مهندس مدني. تراخيص ... ) .
         
في الكثير من الأوقات لا تنظر للمتسول إذا كنت لا تنوى إعطاءه شيئا؛ فتكتفي بإشارة من يدك و"الله يسهلك" حتى يتركك ويتجه لغيرك. وإذا نويت إعطائه ما تيسر لك من مال ينتقل جم تركيزك على ما في جيبك  لتنتقي وتنتشل ( الفكة ) من بين النقود. ربما بعدها تتبعه بنظرة خاطفة.
أما صاحبي.. فظل ينظر إليها. إلى عينيها وهي في موجة استرسال الأدعية.. تركها حتى انتهت من وصلة الاستعطاف.. لم يضع يده في جيبه. لم يستخرج قرشا وهي تنتظر وتنظر لهذا المحملق فيها حتى يعطيها أجرة الدعائين كي تنصرف.
قال لها "يلزمك كام عشان متسأليش تاني".. صمتت للحظات وهي تستوعب هذا الهراء أو هذا الكلام الجاد ثم قالت ورموشها تتذبذب "يا بيه أنا غلبانه وبجري على عيالي". وكأنه لم يسمع ما قالت كرر سؤاله بصيغة أخرى "أيوه. يعني قد ايه فلوس وتبطلي شحاته؟". كان سؤاله كفيلا لجرح كبريائها فقالت يا عم أانا مليش في المشي العوج.. السلام عليكم".                                      ارتحلت وهي تهدهد طفلها. بعدها قام وقال لي "ثواني وراجع". ترك علبة سجائره وما تبقى من كوب الشاي وسار خلفها.
صديقي بهي المظهر لكنه  لا يمتلك المال الذي يفيض به على الغلابة، فلا يزال بدون عمل  وأوقاتا يساعد والده في دكان البقالة الصغير.. على اية حال كلها دقائق ويعود ويفسر لي ما وقع بينهما من حديث ثم نضحك من تلك المزحة الجديدة.
بعد أكثر من ربع ساعة عاد وعلى وجهه سمات الانتصار. جلس وأشعل سيجارة وقال  "حنام معاها. ومن غير فلوس" لم اندهش مما قاله بقدر دهشتي من تلك المنتقبة، حاولت أن أداري انزعاجي بينما اسأله "ازاي يعني حتنام معاها وببلاش؟"..
 بعد أن استوقفها.. حدثها عن النذر الذي وعد به بعد حكم المحكمة له بملكية الأرض الموروثة لصالحه. وانه بدأ بالفعل في انشاء عمارتين، وعن دكان بقالة أو الهايبر ماركت الذي يمتلكه، وسوف يهبها مبلغ عشرة الاف جنيه دفعة واحدة حتى لا تتسول مرة ثانية.
"يعني اشتغلتها!.." تفوهت بالكلمتين وعاد هو ليكمل حديثهما.  فهي أخبرته أنها ارملة وتعول طفلين، أحدهما بين يديها الان والاخر يبيع مناديل عند آخر الشارع. ولا يوجد دخل ثابت يعينها على "العيشة المُرّة".
 واقسم لها إن تابت وتركت عمل التسول سوف يعطيها ما لم تحلم به. فقد ارتاح لها قلبه وتبادلا أرقام الهواتف، وكي تحتفظ بالرقم أخرجت الهاتف بعدما حشرت يدها بين ثدييها. واخر ما طلبه كان طلبا صغيرا. أن يرى وجهها الصبوح. ورفعت النقاب..

بعد هذا اليوم انقطعت اخباره لأسابيع، بادرت خلالها باتصال وحيد ولم يجب ولم اتصل بعدها. وبعد قرابة ثلاثة أشهر صادفت شريف صديقنا وجاره. علمت منه أن صديقي تزوج عرفياً من امرأة ما. وقد كثرت الأقاويل حولها، فتارة يقولون انها امرأة مومس. وتارة يقولون انها تتاجر في المخدرات. وآخرون يؤكدون انها تعمل بالشحاذة. وأخبرني أيضا أن في أحشائها طفل منه وفي الشهر الثاني. وكما يقال أيضا أن لها زوج اخر  في السجن.
وبعد عام صادفته يوماً واقفا عند ناصية شارعه  ليهمس في اذني "مش عايز حته.. ساعد اخوك في بناء مستقبله". ضحك وقهقهت فقد وقف عند ناصية حلمة لبيع  الترمادول والحشيش وأحلاماً مؤقتة لمن يشتري..